فصل: المسألة الرابعة عشرة: (هل الحركات البنائية مثل الإعرابية)؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الثالثة عشرة: [الحركات الثلاثة مع السكون]:

الحركات الثلاثة مع السكون إن كانت إعرابية سميت بالرفع والنصب والجر أو الخفض والجزم، وإن كانت بنائية سميت بالفتح والضم والكسر والوقف.

.المسألة الرابعة عشرة: [هل الحركات البنائية مثل الإعرابية]؟

ذهب قطرب إلى أن الحركات البنائية مثل الإعرابية، والباقون خالفوه، وهذا الخلاف لفظي، فإن المراد من التماثل إن كان هو التماثل في الماهية فالحس يشهد بأن الأمر كذلك وإن كان المراد حصول التماثل في كونها مستحقة بحسب العوامل المختلفة فالعقل يشهد أنه ليس كذلك.

.المسألة الخامسة عشرة: [في التلفظ بالضمة]:

من أراد أن يتلفظ بالضمة فإنه لابد له من ضم شفتيه أولًا ثم رفعهما ثانيًا، ومن أراد التلفظ بالفتحة فإنه لابد له من فتح الفم بحيث تنتصب الشفة العليا عند ذلك الفتح، ومن أراد التلفظ بالكسرة فإنه لابد له من فتح الفم فتحًا قويًا والفتح القوي لا يحصل إلا بانجرار اللحى الأسفل وانخفاضه، فلا جرم يسمى ذلك جرًا وخفضًا وكسرًا لأن انجرار القوي يوجب الكسر، وأما الجزم فهو القطع.
وأما أنه لم سمي وقفًا وسكونًا فعلته ظاهرة.

.المسألة السادسة عشرة: [هل الفتح والضم والكسر والوقف أسماء للأحوال البنائية]؟

منهم من زعم أن الفتح والضم والكسر والوقف أسماء للأحوال البنائية، كما أن الأربعة الثانية أسماء للأحوال الإعرابية، ومنهم من جعل الأربعة الأول: أسماء تلك الأحوال سواء كانت بنائية أو إعرابية، وجعل الأربعة الثانية أسماء للأحوال الإعرابية، فتكون الأربعة الأولى بالنسبة إلى الأربعة الثانية كالجنس بالنسبة إلى النوع.

.المسألة السابعة عشر: [المجاري]:

أن سيبويه يسميها بالمجاري، ويقول: هي ثمانية وفيه سؤالان: الأول: لم سمى الحركات بالمجاري فإن الحركة نفسها الجري، والمجرى موضع الجري، فالحركة لا تكون مجرى؟ وجوابه أنا بينا أن الذي يسمى هاهنا بالحركة فهو في نفسه ليس بحركة إنما هو صوت يتلفظ به بعد التلفظ بالحرف الأول، فالمتكلم لما انتقل من الحرف الصامت إلى هذا الحرف فهذا الحرف المصوت إنما حدث لجريان نفسه وامتداده، فلهذا السبب صحت تسميته بالمجرى.
السؤال الثاني: قال المازني: غلط سيبويه في تسميته الحركات البنائية بالمجاري لأن الجري إنما يكون لما يوجد تارة ويعدم تارة.
والمبني لا يزول عن حاله، فلم يجز تسميته بالمجاري، بل كان الواجب أن يقال: المجاري أربعة وهي الأحوال الإعرابية.
والجواب أن المبنيات قد تحرك عند الدرج، ولا تحرك عند الوقف، فلم تكن تلك الأحوال لازمة لها مطلقًا.

.المسألة الثامنة عشرة: [اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل]:

الإعراب اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل: بحركة أو حرف تحقيقًا أو تقديرًا، أما الاختلاف فهو عبارة عن موصوفية آخر تلك الكلمة بحركة أو سكون بعد أن كان موصوفًا بغيرها، ولا شك أن تلك الموصوفية حالة معقولة لا محسوسة فلهذا المعنى قال عبد القاهر النحوي: الإعراب حالة معقولة لا محسوسة، وأما قوله: باختلاف العوامل فاعلم أن اللفظ الذي تلزمه حالة واحدة أبدًا هو المبني، وأما الذي يختلف آخره فقسمان: أحدهما: أن لا يكون معناه قابلًا للأحوال المختلفة كقولك: أخذت المال من زيد فتكون من ساكنة، ثم تقول: أخذت المال من الرجل فتفتح النون، ثم تقول أخذت المال من ابنك فتكون مكسورة فهاهنا اختلف آخر هذه الكلمة إلا أنه ليس بإعراب، لأن المفهوم من كلمة من لا يقبل الأحوال المختلفة في المعنى، وأما القسم الثاني: وهو الذي يختلف آخر الكلمة عند اختلاف أحوال معناها فذلك هو الإعراب.

.المسألة التاسعة عشرة: [أقسام الإعراب]:

أقسام الإعراب ثلاثة:
الأول: الإعراب بالحركة، وهي في أمور ثلاثة: أحدها: الاسم الذي لا يكون آخره حرفًا من حروف العلة، سواء كان أوله أو وسطه معتلًا أو لم يكن، نحو رجل، ووعد، وثوب، وثانيها: أن يكون آخر الكلمة واوًا أو ياءً ويكون ما قبله ساكنًا، فهذا كالصحيح في تعاقب الحركات عليه، تقول: هذا ظبي وغزو ومن هذا الباب المدغم فيهما كقولك: كرسي وعدو لأن المدغم يكون ساكنًا فسكون الياء من كرسي والواو من عدو كسكون الباء من ظبي والزاي من غزو، وثالثها: أن تكون الحركة المتقدمة على الحرف الأخير من الكلمة كسرة وحينئذٍ يكون الحرف الأخير ياء، وإذا كان آخر الكلمة ياء قبلها كسرة كان في الرفع والجر على صورة واحدة وهي السكون، وأما في النصب فإن الياء تحرك بالفتحة قال الله تعالى: {أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله} [الأحقاف: 31].
القسم الثاني من الإعراب: ما يكون بالحرف، وهو في أمور ثلاثة: أحدها: في الأسماء الستة مضافة، وذلك جاءني أبوه وأخوه وحموه وهنوه وفوه وذو مال، ورأيت أباه ومررت بأبيه، وكذا في البواقي، وثانيها: كلا مضافًا إلى مضمر، تقول: جاءني كلاهما ومررت بكليهما ورأيت كليهما، وثالثها: التثنية والجمع، تقول: جاءني مسلمان ومسلمون ورأيت مسلمين ومسلمين ومررت بمسلمين ومسلمين.
والقسم الثالث: الإعراب التقديري، وهو في الكلمة التي يكون آخرها ألفًا وتكون الحركة التي قبلها فتحة، فإعراب هذه الكلمة في الأحوال الثلاثة على صورة واحدة تقول: هذه رحا ورأيت رحا ومررت برحا.

.المسألة العشرون: [أصل الإعراب]:

أصل الإعراب أن يكون بالحركة، لأنا ذكرنا أن الأصل في الإعراب أن يجعل الأحوال العارضة للفظ دلائل على الأحوال العارضة للمعنى، والعارض للحرف هو الحركة لا الحرف الثاني، وأما الصور التي جاء إعرابها بالحروف فذلك للتنبيه على أن هذه الحروف من جنس تلك الحركات.

.المسألة الحادية والعشرون: [أنواع الاسم المعرب]:

الاسم المعرب، ويقال له المتمكن نوعان: أحدهما: ما يستوفي حركات الإعراب والتنوين، وهو المنصرف والأمكن، والثاني: ما لا يكون كذلك بل يحذف عنه الجر والتنوين ويحرك بالفتح في موضع الجر إلا إذا أضيف أو دخله لام التعريف، ويسمى غير المنصرف، والأسباب المانعة من الصرف تسعة فمتى حصل في الاسم اثنان منها أو تكرر سبب واحد فيه امتنع من الصرف، وهي: العلمية، والتأنيث اللازم لفظًا ومعنى، ووزن الفعل الخاص به أو الغالب عليه، والوصفية، والعدل، والجمع الذي ليس على زنة واحدة، والتركيب، والعجمة في الأعلام خاصة، والألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث.

.المسألة الثانية والعشرون: [سبب منع الصرف]:

إنما صار اجتماع اثنين من هذه التسعة مانعًا من الصرف، لأن كل واحد منها فرع، والفعل فرع عن الاسم، فإذا حصل في الاسم سببان من هذه التسعة صار ذلك الاسم شبيهًا بالفعل في الفرعية، وتلك المشابهة تقتضي منع الصرف، فهذه مقدمات أربع:
المقدمة الأولى: في بيان أن كل واحد من هذه التسعة فرع، أما بيان أن العلمية فرع فلأن وضع الاسم للشيء لا يمكن إلا بعد صيرورته معلومًا، والشيء في الأصل لا يكون معلومًا ثم يصير معلومًا وأما أن التأنيث فرع فبيانه تارة بحسب اللفظ وأخرى بحسب المعنى: أما بحسب اللفظ فلان كل لفظة وضعت لماهية فإنها تقع على الذكر من تلك الماهية بلا زيادة وعلى الأنثى بزيادة علامة التأنيث، وأما بحسب المعنى فلأن الذكر أكمل من الأنثى، والكامل مقصود بالذات، والناقص مقصود بالعرض، وأما أن الوزن الخاص بالفعل أو الغالب عليه فرع فلأن وزن الفعل فرع للفعل، والفعل فرع للاسم، وفرع الفرع فرع وأما أن الوصف فرع فلأن الوصف فرع عن الموصوف، وأما أن العدل فرع فلأن العدول عن لاشيء إلى غيره مسبوق بوجود ذلك الأصل وفرع عليه، وأما أن الجمع الذي ليس على زنته واحد فرع فلان ذلك الوزن فرع على وجود الجمع، لأنه لا يوجد إلا فيه، والجمع فرع على الواحد لأن الكثرة فرع على الوحدة، وفرع الفرع فرع، وبهذا الطريق يظهر أن التركيب فرع، وأما أن العجمة فرع فلأن تكلم كل طائفة بلغة أنفسهم أصل وبلغة غيرهم فرع، وأما أن الألف والنون في سكران وأمثاله يفيدان الفرعية فلأن الألف والنون زائدان على جوهر الكلمة، والزائد فرع، فثبت بما ذكرنا أن هذه الأسباب التسعة توجب الفرعية.
المقدمة الثانية: في بيان أن الفعل فرع، والدليل عليه أن الفعل عبارة عن اللفظ الدال على وقوع المصدر في زمان معين، فوجب كونه فرعًا على المصدر.
المقدمة الثالثة: أنه لما ثبت ما ذكرناه ثبت أن الاسم الموصوف بأمرين من تلك الأمور التسعة يكون مشابهًا للفعل في الفرعية ومخالفًا له في كونه اسمًا في ذاته، والأصل في الفعل عدم الإعراب كما ذكرنا، فوجب أن يحصل في مثل هذا الاسم أثران بحسب كل واحد من الاعتبارين المذكورين، وطريقه أن يبقى إعرابها من أكثر الوجوه، ويمنع من إعرابها من بعض الوجوه، ليتوفر على كل واحد من الاعتبارين ما يليق به.
......

.المسألة الثالثة والعشرون: [منع التنوين والجر]:

إنما ظهر هذا الأثر في منع التنوين والجر لأجل أن التنوين يدل على كمال حال الاسم، فإذا ضعف الاسم بحسب حصول هذه الفرعية أزيل عنه ما دل على كمال حاله، وأما الجر فلأن الفعل يحصل فيه الرفع والنصب، وأما الجر فغير حاصل فيه فلما صارت الأسماء مشابهة للفعل لا جرم سلب عنها الجر الذي هو من خواص الأسماء.

.المسألة الرابعة والعشرون: [سلب الجر]:

هذه الأسماء بعد أن سلب عنها الجر إما أن تترك ساكنة في حال الجر أو تحرك، والتحريك أولى، تنبيهًا على أن المانع من هذه الحركة عرضي لا ذاتي، ثم النصب أول الحركات لأنا رأينا أن النصب حمل على الجر في التثنية والجمع السالم، فلزم هنا حمل الجر على النصب تحقيقًا للمعارضة.

.المسألة الخامسة والعشرون: [إذا دخل على ما لا ينصرف الألف واللام أو أضيف انصرف]:

اتفقوا على أنه إذا دخل على ما لا ينصرف الألف واللام أو أضيف انصرف كقوله: مررت بالأحمر، والمساجد، وعمركم، ثم قيل: السبب فيه أن الفعل لا تدخل عليه الألف واللام والإضافة فعند دخولهما على الاسم خرج الاسم عن مشابهة الفعل، قال عبد القاهر: هذا ضعيف؛ لأن هذه الأسماء إنما شابهت الأفعال لما حصل فيها من الوصفية ووزن الفعل، وهذه المعاني باقية عند دخول الألف واللام والإضافة فيها فبطل قولهم: إنه زالت المشابهة وأيضًا فحروف الجر والفاعلية والمفعولية من خواص الأسماء ثم إنها تدخل على الأسماء مع أنها تبقي غير منصرفة، والجواب عن الأول: أن الإضافة ولام التعريف من خواص الأسماء فإذا حصلتا في هذه الأسماء فهي وإن ضعفت في الاسمية بسبب كونها مشابهة للفعل إلا أنها قويت بسبب حصول خواص الأسماء فيها، إذا عرفت هذا فنقول: أصل الاسمية يقتضي قبول الإعراب من كل الوجوه، إلا أن المشابهة للفعل صارت معارضة للمقتضى، فإذا صار هذا المعارض معارضًا بشيء آخر ضعف المعارض، فعاد المقتضي عاملًا عمله، وأما السؤال الثاني فجوابه: أن لام التعريف والإضافة أقوى من الفاعلية والمفعولية لأن لام التعريف والإضافة يضادان التنوين، والضدان متساويان في القوة فلما كان التنوين دليلًا على كمال القوة فكذلك الإضافة وحرف التعريف.